مؤتمر الصومام 20أوت1956
يُعد مؤتمر الصومام أهم اجتماع وطني لقادة الثورة التحريرية خلال مرحلة الكفاح المسلّح، وكان انعقاده ضرورة مُلّحة لتقييم المرحلة الأولى من الثورة المسلّحة، ولوضع الخطوط العريضة لمواصلة الكفاح المسلّح من أجل استرجاع السيادة الوطنية، من خلال تزويد الثورة بقيادة مركزية وطنية موحدة، تقوم بتوحيد التنظيم العسكري وتنظيمه وتسيير الكفاح المسلّح، زيادة على تحديد المنطلقات السياسية والإيديولوجية التي تتحكّم في مسار المعركة الكفاحية وتوجّهها. وكذلك تدارك النقائص المسجّلة في التموين والتمويل، وضعف الاتصال بين المناطق.
- تاريخ ومكان انعقاد المؤتمر:
بعد سلسلة من الاتصالات بين مختلف قيادات المناطق، اختيرت المنطقة الثالثة لاستضافة المؤتمرين لتوفّر شروط الأمن والنظام والسرية، وكانت قرية إيفري أوزلاقن المجاورة لغابة أكفادو (في السفوح الشرقية لجبال جرجرة، المشرفة على الضفة الغربية لوادي الصومام) مكانا لانعقاد المؤتمر. ترأّس جلسات المؤتمر المناضل العربي بن مهيدي مع إسناد الأمانة للمناضل عبان رمضان، وقُدمت خلالها دراسة مستفيضة لحصيلة اثنين وعشرين شهرا من مسار الثورة من قبل مندوبو كل المناطق (ماعدا المنطقة الأولى والوفد الخارجي لتعذر حضورهما، واكتفاء منطقة الجنوب بإرسال تقريرها).
القضايا التنظيمية التي درسها المؤتمر:
بعد أن تُليت تقارير المناطق، واستعراض حصيلة اثنين وعشرين شهرا من الكفاح المسلّح، درس المؤتمرون مختلف القضايا للنقاش، واستعرضوا النقائص والسلبيات التي رافقت الانطلاقة الثورية، وانعكاساتها على الساحة الداخلية والخارجية. وبعد عشرة أيام من المناقشات أسفرت جلسات المؤتمر عن تحديد الأطر التنظيمية المهمة التي يجب إثراءها وصيغت في قرارات سياسية وعسكرية مهمة ومصيرية، مسّت مختلف الجوانب التنظيمية للثورة الجزائرية السياسية، العسكرية، الاجتماعية.
– إصدار وثيقة سياسية شاملة: خرج المؤتمر بوثيقة سياسية، حدّدت المنهج السياسي الذي سارت عليه الثورة الجزائرية، مرفقة بتصور مستقبلي للآفاق والمبادئ والأسس التنظيمية للدولة الجزائرية بعد استعادة السيادة الوطنية.
– تقسيم التراب الوطني: قرّر المؤتمر تقسيم البلاد إلى ست مناطق، واستبدال لفظة المنطقة بالولاية، وتقسيم الولاية إلى مناطق، والمناطق إلى نواحي والناحية إلى قسمات. وجعل العاصمة منطقة مستقلة، من أجل تسهيل عملية الاتصال والتنسيق بين الجهات. وعلى المستوى الخارجي تم استحداث اتحادية جبهة التحرير الوطني في فرنسا وتونس والمغرب.
أما مراكز القيادة فتخضع لمبدأ الإدارة الجماعية، وتكون من القائد وله صفتان عسكرية وسياسية، وهو يمثل السلطة المركزية لجبهة التحرير الوطني، ويحيط به ثلاث نواب من الضباط يتولون الفروع التالية: الفرع العسكري، الفرع السياسي وفرع الاستعلامات والاتصال، وتوجد مراكز قيادة لكل من الولاية والمنطقة والناحية والقسم.
– القرارات العسكرية:
أقرّ المؤتمر تنظيما عسكريا بدءا بتوحيد القيادة، وتحديد الرتب العسكرية لقادة الولايات والمناطق والنواحي والأقسام وتعميمها، مع تحديد المرتب الشهري لكل رتبة عسكرية. ومن حيث التنظيم العسكري لوحدات وعناصر جيش التحرير الوطني، أصبحت التركيبة الجديدة تضم: الفيلق، الكتيبة، الفرقة، نصف الفوج، الفوج. وأقرّ المؤتمر أيضا، المرتبات للمجاهدين والمسبلين، ومنح لعائلات الجنود الأسرى والشهداء.
– التنظيم السياسي: تناول فيه المؤتمرون التعريف بمهام المحافظين السياسيين، وتشكيل المجالس الشعبية بواسطة الانتخابات، واختصاصاتها في القضايا العدلية والإسلامية والمالية والاقتصادية.
– تشكيل قيادة عامة موحدة للثورة: مجسّدة في كل من:
* المجلس الوطني للثورة: يمثل أعلى هيئة قيادة في الثورة ويؤدي دور الهيئة التشريعية. من صلاحياته اتخاذ جميع القرارات من حيث تعيين أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ التي تلتزم بتنفيذ قراراته في مجال العمل والنشاط السياسي والعسكري، ويحدد معالم السياسة التي تنتهجها جبهة التحرير الوطني في الداخل والخارج، وأولوية السياسي على العسكري.
* لجنة التنسيق والتنفيذ: هي بمثابة الهيئة التنفيذية المنبثقة عن المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وتلتزم أمامها بجعل جميع القرارات العسكرية والسياسية موضع التنفيذ، مع احتفاظها بالسلطة على أجهزة الثورة في مختلف الولايات التي عوّضت المناطق.
– علاقة جيش التحرير الوطني بجبهة التحرير الوطني: أُعطيت الأولوية للسياسي على العسكري. وفي مراكز القيادة يتعيّن على القائد العسكري السياسي السهر على حفظ التوازن بين جميع فروع الثورة.
– علاقة الداخل بالخارج: أُعطيت الأولوية للداخل على الخارج، مع مراعاة مبدأ الإدارة المشتركة.
– المحاكم: قرّر المؤتمر تشكيل محاكم جزائرية تقضي بالشريعة الإسلامية في أحكامها، يحاكم فيها المدنيون والعسكريون، مع إعطاء الحق للمتهم في اختيار من يدافع عنه.
– توقيف القتال والمفاوضات: لم يغفل مؤتمر الصومام مسألة إنهاء حالة الحرب والشروط والضمانات الواجب توفرها، حيث أقرّ ضرورة الاعتراف الفرنسي باستقلال الجزائر، وأن جبهة التحرير الوطني هي المُفاوض الوحيد باسم الشعب الجزائري، مع اشتراط الاعتراف بالوحدة الترابية للجزائر.