القائمة الرئيسية

الصفحات

المناهضة لسياسة فرنسا لفصل الصحراء الجزائرية


شهد الجنوب الجزائري في السنتين الأخيرتين من عمر الثورة التحريرية العديد من الأحداث التي ساهمت بشكل مباشر في الإسراع للتوقيع على اتفاقيات “إيفيان” والتمهيد لوقف إطلاق النار في 19 مارس 1962. ومن هذه الأحداث التي سجّلها التاريخ في جنوبنا الكبير العديد من المظاهرات التي طالب من خلالها سكان الصحراء بوحدة الجزائر الترابية، وأن الصحراء جزء لا يتجزأ من الوطن الأم، ومنها مظاهرة 27 فبراير 1962 الحاشدة في ورقلة، التي دعت إليها قيادة الثورة الجزائرية لمواجهة تعنّت الحكومة الفرنسية وتشبّثها بمبدأ تقسيم الجزائر إلى نصفين، شمالي بمنحه الاستقلال، وجنوبي يبقى تحت سيطرتها لاستنزاف ثرواته.

  • زمان ومكان المظاهرة:


ردًا على مناورة ديغول الرامية إلى الترويج والدعاية لمشروع فصل الصحراء عن الجزائر، وإرساله وفدا يضم مسؤولين فرنسيين إلى ورقلة، وعقد اجتماع طارئ مع النواب تحت رئاسة العميل حمزة بوبكر،   بهدف جس نبض الأهالي وتهيئتهم على قبول فكرة تأسيس جمهورية صحراوية مستقلة، قرّرت قيادة جبهة التحرير الوطني اتخاذ التدابير اللازمة لإفشال هذا الاجتماع الذي حدّد بيوم 27 فبراير 1962.

وتنفيذا لتعليمات قادة الثورة للناحية الرابعة – المنطقة الرابعة بالولاية السادسة، المتضمّنة لزوم تنظيم مظاهرة بمدينة ورقلة يشارك فيها مختلف فئات الشعب في صبيحة يوم 27 فبراير 1962، حدّد مكان التجمع بسوق الحجر، فقد اتخذ مناضلو المنطقة التحضيرات اللازمة لإنجاح العملية بتجنّدهم وتسخيرهم ما أمكن من الوسائل.

  • أسباب المظاهرة:


– رفض المشروع الفرنسي المتضمّن فصل الصحراء عن الوطن الأم

– تمسّك مواطني الصحراء بوحدة وطنهم وشعبهم  

– دعم موقف الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية الممثلة في وفدها المفاوض للوفد الفرنسي بخصوص بنود اتفاقيات إيفيان

  • التحضير للمظاهرات:                                  


قبل يوم واحد عن موعد وصول الوفد الفرنسي إلى ورقلة، وبعد تلقي مناضلي المدينة (ورقلة) تعليمات كتابية من قيادة الناحية الرابعة – المنطقة الرابعة بالولاية السادسة بخصوص تنظيم مظاهرة شعبية، سارع المعنيون وعلى رأسهم الملازم الثاني محمد شنوفي ومساعده عثمان حامدي والكاتب عبد الجبار، إلى تحرير خطابات إلى مشائخ المجالس البلدية لجبهة التحرير الوطني المتواجدة عبر محيط مدينة ورقلة، وكان عددها 14 مجلسا بلديا، وقد تضمنت هذه الخطابات حث وتشجيع مواطني المداشر والأحياء للحضور والمشاركة بقوة في المظاهرة السلمية المزمع تنظيمها صبيحة يوم 27 فبراير، وقد تمّ تبليغ هذه الخطابات إلى الجهات المعنية في سرية تامة من قبل مناضلين ومواطنين أوفياء للثورة يعملون في الإدارة الفرنسية نفسها.

  • سير المظاهرات:


كانت التعليمات التي وردت إلى مختلف القرى والنواحي تقضي بتجمّع الناس في “سوق الحجر” بوسط مدينة ورقلة، في انتظار ساعة انطلاق المسيرة على الساعة الثامنة صباحا من يوم 27 فبراير الذي كان يصادف يوم رمضاني مبارك (23 رمضان 1381 هـ)، وهو اليوم الذي ستحط فيه الطائرة المقلة للوفد الفرنسي المكلّف بملف مشروع فصل الصحراء، بأرضية مطار ورقلة، غير أنه تمّ تأخير زيارة الوفد الفرنسي إلى مقر عمالة الواحات خوفا من حدوث انزلاقات قد تؤدي إلى فقدان السيطرة على الوضع، وعليه تم تأخيرها إلى الساعة الواحدة زوالا، وهي مناورة فرنسية كان الهدف منها إرهاق الأهالي بطول الانتظار.    

ونظرا لتفطّن المسؤولين الثوريين لمناورة تأخير زيارة الوفد الفرنسي، طلبوا من المواطنين الالتزام بالهدوء والنظام، ومن التجار فتح محلاتهم ودكاكينهم، واستمرت حركة المواطنين بالسوق عادية إلى غاية الواحدة زوالا، عند رؤية تحليق طائرة الوفد الفرنسي باتجاه المطار، فأعطيت بعدها إشارة انطلاق المظاهرات من “سوق الأحد” باتجاه مقر استقبال الوفد الرسمي (إدارة نيابة العمالة) ، حيث رُفعت الأعلام الوطنية، وردّدت الألسن الأناشيد الوطنية الحماسية والشعارات المندّدة للسياسة الاستعمارية، والهتافات المؤيّدة للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية الممثل الوحيد للشعب الجزائري.

  • رد فعل السلطات الاستعمارية:


بعد لحظات قلائل من انطلاق موكب المتظاهرين، حاصرت القوات الفرنسية المعزّزة بالدبابات والمدرعات ووحدات المشاة من اللفيف الأجنبي ورجال الدرك والخونة المرتزقة، مداخل ومخارج ووسط المدينة، المؤدية إلى مقر عمالة الواحات لتفريق المتظاهرين بالعصي والقنابل المسيلة للدموع. وأمام استماتة الشبان، ومحاولاتهم اليائسة لإقناع السلطات الاستعمارية بسلمية المظاهرة، اشتدّ الاشتباك مع القوات الفرنسية، حيت استعمل المتظاهرون ما عندهم من وسائل الدفاع الذاتي، بينما استعملت القوات الفرنسية ضدهم نيران رشاشاتها وطاردتهم وسط الشوارع والساحات العامة إلى غاية غروب الشمس، مخلّفة العديد من الضحايا.

  • صدى المظاهرة:


        بالرغم من قوة السلاح والنار التي سلّطها عساكر الاستعمار على المتظاهرين، مما تسبّب في عدد من الجرحى والمصابين والشهداء (اختلفت المصادر في تقديرها)، إلا أن الجميع شعر بوحدة الصف والموقف بالالتفاف حول قيادة الثورة ومناهضة كل المشاريع الاستعمارية. وأمام هذه المظاهرة البطولية، اضطر الوفد الفرنسي مغادرة مدينة ورقلة والعودة خائبا نحو الجزائر دون أن يعقد اجتماعه مع بعض الشخصيات الفرنسية والجزائرية العميلة، التي حاولت تمرير المشروع الاستعماري المتضمّن فصل الصحراء باسم سكان المنطقة.

لقد أصيبت السلطات الاستعمارية بخيبة أمل كبيرة، حتّمت على الوفد الفرنسي المفاوض في مباحثات إيفيان التي انطلقت من 7 إلى 18 مارس 1962، الاعتراف بوحدة الجزائر ترابيا وبسيادة الدولة الجزائرية على الصحراء، وانتهت باتفاق نهائي على وقف إطلاق النار بين الطرفين، وتسوية كل القضايا التي عطّلت سير المفاوضات .