القائمة الرئيسية

الصفحات

التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية


التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية


مع  نهاية الحرب العالمية الثانية والتحوّلات العميقة التي شهدها العالم، شغلت الدوائر السياسية العليا الفرنسية نفسها بالبحث عن سبل التحكم في تكنولوجيا الذرة النووية ذات الأهداف العسكرية، وعلى هذا الأساس وفّرت فرنسا كل الوسائل والامكانيات لاكتساب هذا السلاح الفتاك.    

  • مراحل صناعة القنبلة الذرية الفرنسية:


 مرت صناعة القنبلة الذرية الفرنسية بثلاث مراحل أساسية هي:

– المرحلة الأولى: الدراسة العلمية والتقنية ابتداء من عام 1945، وفقا للأمرية التي أصدرها شارل ديغول في أكتوبر من نفس السنة والقاضية بإنشاء محافظة الطاقة الذرية.

– المرحلة الثانية: تمثّلت في تخصيص وسائل وأموال ضخمة لإنتاج البلوتونيوم والتعرف على أسراره سنة 1952

– المرحلة الثالثة:  انطلقت فرنسا سنة 1955 في استغلال “اليورانيوم” ثم تكليف فريق الجنرال Albert Buchalet  بطريقة سرية للتكفّل بالمشروع. وفي سنة 1957 تم اتخاذ قرار تفجير أول قنبلة ذرية خلال الفصل الأول من سنة 1960، ولقد تمّ التأكيد على هذا القرار الجنرال ديغول في 22 جويلية 1958.

        وحسب الجنرالCHARLES AILLERT  فإن المشكلة الأساسية التي واجهت المشروع هي كيفية الحصول على الكمية اللازمة من اليورانيوم (235) المستخلص من اليورانيوم الطبيعي. ولأسباب تقنية ومادية لجأت فرنسا إلى استخدام البلوتنيوم باعتباره مادة اصطناعية يمكن انتاجها في المفاعل الذري بواسطة اليورانيوم الطبيعي، ومن ثم صنعت أول قنبلة ذرية فرنسية من البلوتنيوم.

  • أين صنعت القنبلة الذرية؟


تمّ تصنيع مختلف عناصر القنبلة الذرية وتحضير أهم مكوناتها الضرورية بمصنع البارون “سفرون” بمنطقة فوجور. وحسب جريدة لوموند ليوم 15 فيفري 1960، فإن تكاليف أول قنبلة ذرية فرنسية بلغت مليار و 260 مليون فرنك فرنسي جديد.

الصحراء الجزائرية مجالا للمشروع النووي الفرنسي:

        لم تُخف فرنسا مصالحها الحيوية في الصحراء الممتدة إلى القارة الافريقية، حيث نشرت المجلة العسكرية في ربيع سنة 1959 ما يلي:”…تجد فرنسا نفسها في وضع ممتاز من حيث الحاجة إلى الميادين الواسعة للحرب الحديثة بالنظر إلى شساعة أقاليم الصحراء وقرب اتصالها النسبي بالوطن الأم …، إن هذه المكانة المميزة كفيلة بأن تحدث تأثيرا قويا في أساليب دفاعنا الوطني نظرا لأهمية الصواريخ من جهة، وإلى مدى ارتباط هذا الموضوع بمسألة التجارب …”.

        وأكّد شارل ديغول هذه الأهمية الاستراتيجية من خلال مشروع اتخاذ الصحراء فضاءً جغرافيا للتفجيرات النووية المرتقبة:”… ولكي نحافظ على أوضاع آبار البترول الذي استخرجناه، وقواعد تجارب قنابلنا وصواريخنا، فبوسعنا أن نبقى في الصحراء مهما حصل، ولو اقتضى الأمر أن نعلن استقلال هذا الفراغ الشاسع. ولكي يبقى جيشنا في الجزائر، مادام وجوده فيها مفيدا للسيطرة على إقليمها وحدودها، فليس علينا سوى أن نقرّر ذلك ….” .

  • اختيار منطقة رقان لتفجير القنبلة الذرية:


        انتهت الاستطلاعات العامة والدراسات الاستراتيجية إلى اختيار رقان كمجال جغرافي أمثل لإجراء وتنفيذ مشروع التجربة النووية الفرنسية  وذلك في جوان 1957 ، وأن تكون قاعدة التفجيرات منطقة الحمودية غير البعيدة عن رقان، ومنطقة تانزروفت القريبة من الحمودية نقطة الصفر أي النقطة التي يطلق منها التفجير. وكان المسؤول المباشر على المشروع الفرنسي في الصحراء الجزائرية الجنرالCHARLES AILLERT.

        بدأت الأشغال في سنة 1958 وكان يعمل بها اختصاصيون من فرنسا ودول الحلف الأطلسي، وجلب إليها عمال من مختلف الجنسيات، وفي أقل من ثلاث سنوات أصبحت رقان مدينة حقيقية وسط الصحراء، يقطنها 6500 فرنسي و3500 صحراوي، كلهم يشتغلون برقان لإنجاح التجربة في الآجال المحدّدة لها، واعتبرت المنطقة قبل إجراء التجربة منطقة محرّمة قٌسّمت إلى ثلاث مناطق رئيسية:

1- المنطقة المركزية لرقان تبلغ مساحتها 6000 كلم مربع وقد مُنع الطيران فوقها بصفة دائمة  ابتداءً من 15 أكتوبر 1959 .

2- المنطقة المحيطة برقان: وتمتد على مساحة 50 كلم أُطلق عليها اسم “المنطقة الزرقاء” ومُنع الطيران فوق أراضيها على ارتفاع أقل من 3000 م أثناء الست ساعات التي تعقب وقت الانفجار.

3- منطقة تحتوي المنطقتين السابقتين: أطلق عليها اسم “المنطقة الخضراء” يبلغ عرضها من الشرق إلى الغرب 200 كلم وطولها من الشمال إلى الجنوب 150 كلم، ومنع تحليق الطيران فوقها على ارتفاع أقل من 3000 م مدة 12 ساعة التي تعقب ساعة الانفجار.

        وأول انفجار للقنبلة الذرية برقان كان بتاريخ 13 فيفري 1960، قدّرت قوته ما بين 60 و 70 ألف طن من T.N.T   هذا يعني أن هذه القنبلة كانت أقوى من قنبلة “هيروشيما” بخمس مرات، ولقد تمّ إشعار المواطنين حيث حلّقت طائرة صفراء على القرية ووجهت لهم تعليمات للخروج من بيوتهم والارتماء أرضا حسب شهادة بعض المواطنين.

        وبعد اختفاء الطائرة عن الأنظار، دوى انفجار مهول زلزل الأرض واكتسح المنطقة سحاب ساخن، وعلى الرغم من بعد مسافة الانفجار (60 كلم)، فقد تحطّمت بعض المباني.  

  • ردود  الفعل:


  • رد الفعل الجزائري:


جاء  في جريدة المجاهد ليوم 22 فيفري 1960 تصريحا للسيد محمد يزيد وزير الأخبار في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية يندّد فيه بتفجير القنابل الذرية برقان هذا نصه:”إن الانفجار الذري الفرنسي الذي تمّ في صحرائنا يوم 13 فيفري 1960 يعد جريمة أخرى تسجّل في قائمة الجرائم الفرنسية، إنها جريمة ضد الانسانية وتحد للضمير العالمي الذي عبّر عن شعوره في لائحة صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن الحكومة الفرنسية لا توفي أي اعتبار لصيحات الاحتجاج والاستنكار  ضد برامجها النووية، تلك الصيحات المتعالية من جميع الشعوب الافريقية منها و الآسيوية  والأوروبية والأمريكية. 

إن جريمة فرنسا هذه تحمل طابع المكر الاستعماري المستهتر بجميع القيّم. إننا مع جميع شعوب الأرض نشعر بفعلة الحكومة الفرنسية التي تعرف الشعوب الافريقية أخطار التجارب الذرية. إننا ندرك أن القنبلة الفرنسية لها معنى، ومعناها تخويف وتهديد  الحركة التحريرية في افريقيا. إن الانفجار الذري في رقان لا يضيف شيئا إلى قوة فرنسا، فاستعمال هذه القوة هو السياسة الوحيدة التي عرفتها افريقيا عن فرنسا. بل إن انفجار رقان ينزع من فرنسا كل ما يحتمل أنه تبقى لها من سمعة في العالم.

  • تنديد الدول الافريقية والدول الشقيقة :


أبدت العديد من الدول موقفا متضامنا مع الجزائر مندّدة بالتفجيرات، واعتبارها خرقا للأعراف وعدوانا آخر على سيادة الجزائر وشعبها. وأما الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية عبّرت هي الأخرى عن مواقفها، فالجامعة العربية عقدت جلسة في 31 مارس 1960 الذي صادف واحدا من التفجيرات، وناقشت لجنة الشؤون السياسية  ببالغ القلق موضوع تفجير فرنسا قنبلتها الذرية الثانية في الصحراء الافريقية مستهينة بسلامة سكان المنطقة وأمنهم.

        وأعربت أمانة مؤتمر الشعوب الآفروآسيوية عن استيائها، وحرّرت برقية وجهتها إلى شارل ديغول تصف فيها التفجير بالخرق والمساس بحرمة وسيادة الشعب الجزائري وتحدّيا سافرا للرأي العام الدولي.

        وأما المنظمة الأممية، اكتفت بالإعراب عن قلقها إزاء التفجيرات وأنها منشغلة بمتابعة تطورات القضية أمام تنكر الدول الغربية عن طريق ممثليها والذين طبّقوا لغة الصمت، وانتهت جلستها الطارئة ليوم 20 نوفمبر 1959 بإصدار القرار رقم 1379 يطالب فرنسا بوقف تجاربها نظرا لما تحدثه من مضايقة للشعوب خاصو منها الشعوب الافريقية.

  • نماذج من التجارب النووية الفرنسية:


أجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية من 1960 إلى 1966.

    من فيفري 1960 إلى أفريل 1961 أجرت فرنسا 04 تجارب جوية


من نوفمبر 1961 إلى فيفري 1966 أجرت فرنسا 13 تجربة باطنية منها أربعة لم يتم احتواءها بصفة آمنة.


  • الانعكاسات السلبية للتفجيرات النووية بالصحراء الجزائرية:


لقد كان لهذه التجارب النووية آثارا وخيمة على الانسان والبيئة يمكن استخلاصها فيما يلي:

– أصبحت الصحراء الجزائرية مقبرة للنفايات، إذ أنه بعد رحيل القوات الفرنسية من قواعد التجارب النووية بالصحراء الجزائرية، وضعت حفر عميقة جدا بواسطة الآلات الضخمة، وكدّست بها كامل المعدات والآلات المستعملة في تنفيذ الأشغال الثقيلة والنفايات من مواد كيميائية وبيولوجية ومواد إشعاع، استطاعت التأثير على الطبيعة والإنسان.

– ظهور عدة أمراض خطيرة وقاتلة في مقدمتها مرض السرطان.

– العقم وإجهاض عدد كبير من النساء

–  تشوّهات في المواليد

– وفاة المواليد

– فساد المنتوج الزراعي

– تلوّث البيئة وآبار المياه… الخ