القائمة الرئيسية

الصفحات

مــــفدي زكريــــا


  • مولده و نشأته:


 هو مفدي زكريا بن سليمان الشيخ صالح، من مواليد سنة 1909 بقرية بني يزقن جنوب الجزائر. ينحدر من أسرة متواضعة في العلم و الجاه، أصلها من  مدينة تيهرت التي تأسست في القرن الثاني من الهجرة، و المعروفة الأن بمدينة “تيارت” غرب الجزائر. تلقى مفدي زكريا تعليمه الأول بمسقط رأسه، أين حفظ القرآن الكريم، و تعلم قليلا من العلوم الإسلامية و بحكم أن أباه كان تاجرا بمدينة عنابة. أخذ الفتى يتنقل بينها وبين مسقط رأسه حتى أذن الله أن يقصد تونس كطالب تحت إشراف مجموعة من الأساتذة أمثال الشيخ إبراهيم بن الحاج عيسى و أبو اليقظان و غيرهم، و بذلك التحق بمدرسة السلام القرآنية ليتلقى مبادئ اللغة العربية و الفرنسية على يد أساتذة أكفاء، و منها نال الشهادة الإبتدائية في العربية. و بعدها واصل دراسته بالمدرسة الخلدونية ، أين درس الحساب و الجبر و الهندسة و الجغرافية، و منها انتقل إلى جامع الزيتونة للإطلاع، أكثر على علوم النحو و البلاغة و الأصول، و من هذه المدرسة نال شهادة الثانوية.

إن نشأة مفدي زكريا على يد عمه الشيخ صالح بن يحي، و تربيته على يد أساتذة إنعكستا على شخصيته و تكوينه، فكان ذلك الشاب الوطني و الرجل الثوري و الشاعر الحقيقي بكلماته الثائرة في وجه الأعداء و في سبيل الوطن. و كان لظهوره على الساحة الأدبية عوامل كثيرة ساعدته  على ذلك رغم صغر سنه، أهمها: كون البعثة التي ينتمي إليها مفدي محظوظة بعلماء مكونين في جميع المجالات، ثم دور البيئة التونسية التي عاش فيها ، فهي بيئة علم و ثقافة لمن كان له إستعداد و طموح في ذلك، و يضاف إلى ذلك إستعداده الفطري لتقبل العلم و إطلاعه الواسع على أمهات الكتب؛ ثم نبوغه المبكر لما أوتي من ذكاء خارق و إحساس رهيف و شعور متدفق، فقد كان يلقي تشجيعا من طرف أساتذته في مجال قرض الشعر ونظمه في المناسبات والأحداث الهامة.

  • نضاله:


   إن التربية التي تلقاها مفدي جعلته يتعلق بسير الأبطال و العظماء من الرجال، و في هذا يقول: ” شغفت بالآداب طفلا و بتاريخ الأبطال من عظماء الأوطان.” بدأ نشاطه السياسي عندما كان طالبا في تونس،فكان أول عمل له هو إنضمامه في سلك الشبيبة الدستورية سنة 1922، ثم في حزب نجم شمال إفريقيا سنة 1926 عند عودته من تونس. و بعد تأسيس حزب الشعب عمل كأمين عام له سنة 1937، و في نفس السنة  زج به في السجن بتهمة التآمر ضد الدولة الفرنسية، و داخل السجن أصدر مفدي مع بعض زملائه جريدة (البرلمان الجزائري) الأسبوعية و كان هو رئيس تحريرها. و لما أطلق سراحه واصل نشاطه في حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية.”M T L D” و في أفريل 1955 أي بأشهر قليلة بعد إندلاع الثورة أنشأ النشيد الرسمي الوطني (قسما)، و  منه قوله :

قـــسما بالنازلات الماحقات         والـــدماء الزاكيات الــطاهرات

والبنود اللامعات الخافقات         في الجبال الشامخات الشاهقات

نــــــــــــــــــحن ثـــــــرنا         فـــــــــحياة أو مـــــــــــــــمات

وعـــــــقدنا الـــــــعزم أن         تـــــــــــــــحيا الـــــــــــــجزائر

فـــــــــــــاشهــــــــــــدوا

وفي الثاني عشر من نفس الشهر اعتقل مفدي زكريا بتهم عديدة، و لقي ألوانا من العذاب في مختلف السجون والتي نذكر منها: سجن (بربروس)، سجن (البرواقية) و سجن (الحراش)،و ظل يتنقل بينها لكن ذلك كله لم يمنعه من مواصلة نشاطه و نضاله السياسي.

 و أما عن نشاطه الفكري، فهو كغيره من رجال الفكر و الأدب، ساهم بلسانه و قلمه من أجل القضية الوطنية، فكان ينظم الأشعار و يكتب المقالات في المجلات و الصحف، و كان يؤمن بأن هذه الأخيرة تعد من الوسائل الهامة في تكوين الوعي السياسي لدى الجماهير. ولم يكتف مفدي بأداء رسالته داخل الوطن، بل ظل صامدا يتنقل بين مختلف الأقطار العربية لكي تنال القضية الجزائرية إهتمام الأشقاء. ففي سنة 1961 إثر وفاة الملك  محمد الخامس لم يتأخر مفدي في مواساة إخوانه المغاربة بقصيدة، وفي نفس الوقت شاركهم في حفل تتويج إمارة العرش للملك الحسن الثاني خلفا لأبيه، و لم ينس أن يذكر في تلك المناسبة الثورة الجزائرية لإثارة الهمم و شحذ العزائم. و في نفس السنة تنقل إلى دمشق إثر إنعقاد مهرجان الشعر  العربي كممثل يسمع هناك صوت الجزائر الثائرة.

 هكذا عاش مفدي  زكريا لوطنه الذي أحبه فخدمه بكل ما أوتي من قوة فكرية أوطاقة إبداعية، فقدم بذلك ما يعود على الثورة الجزائرية بما يفيدها في الهيئات العربية و يزيد من أهميتها في المحافل الدولية. و بعد أن نالت الجزائر إستقلالها راح يشتغل بالتجارة ، وفتح مكتبا للترجمة في ساحة الأمير عبد القادر بالعاصمة، ولما أحطت به الظروف ضاق ذرعا فطار به طائره إلى تونس و منها إلى المغرب. و بالرغم من بعده عن وطنه كان دائما يغتنم الفرص و المناسبات في الجزائر للمشاركة فيها بمحاضراته و أشعاره.

  • وفاته و مآثره:


   كانت وفاة مفدي زكريا على إثر سكتة قلبية يوم 17أوت 1977 بعد أدائه لفريضة الحج مع زوجته، و دفن بمسقط رأسه (بني يزقن)  بمدينة غرداية تاركا ثلاثة أبناء، هم: سليمان، صالح و عائشة. توفي الرجل و هو حامل لوسام الكفاءة الفكرية من الدرجة الأولى من ملك المغرب، ووسام الإستقلال من الدرجة الثانية من الرئيس التونسي “الحبيب بورقيبة”، ووسام الإستحقاق الثقافي من الرئيس نفسه أيضا.

لقد خلف مفدي زكريا وراءه إنتاجا متناثرا في الجرائد و المجلات الجزائرية و حتى التونسية نثرا و شعرا، و تظهر أهم مؤلفاته المطبوعة فيمايلي:

– اللهب المقدس : و هو ديوان شعري خاص بالثورة الجزائرية.

– من وحي الأطلس : وخصه الشاعر للثورة في المغرب الأقصى.

– إلياذة الجزائر : نظمت في ملتقى الفكر الإسلامي المنعقد بالجزائر سنة 1972 بلغت عدد أبياتها ألف بيت وبيت (1001.(

– تحت ظلال الزيتون : و نظمه الشاعر لتونس الخضراء، طبع مرة واحدة سنة 1965.

– دليل المغرب العربي الكبير، و كان يهدف من ورائه إلى تسهيل الإتصال بين دول المغرب العربي.