الشيخ عبد الحميد بن باديس
رائد النهضة العلمية والإصلاحية في الجزائر 1889-1940
- المولد والنشأة :
هو عبد الحميد بن محمّد المصطفى بن المكّيّ بن محمّد كحول بن علي سليل الجدّ الأعلى “مناد بن منقوش” كبير قبيلة تَلْكَاتَة. ينتمي إلى أسرة عريقة، مشهورة بالعلم والثراء، وَالِدُهُ “محمّد مصطفى بن مكي بن باديس” من أعيان قسنطينة ووَالِدَتُهُ “زهيرة بنت علي بن جلول من أسوة عبد الجليل المشهورى بالعلم والجاه والثراء.
وُلِدَ الشّيخ عبد الحميد بن باديس يبتاريخ الحادي عشر من ربيع الثاني سنة 1307 ﻫ الموافق للرابع من ديسمبر سنة 1889 م بمدينة “قسنطينة”، وهو الولد البِكر لأبويه.
- نشأته وتعليمه :
نشأ الشّيخ ابن باديس في أحضان أسرة متمسكة بالدين والأصالة، تلقى تعليمه على الطريقة التقليدية، فحفظ القرآن الكريم وتعلم تجويده وعمره لم يتجاوز الثالثة عشرة سنة. تلقى منذ عام 1903 م مبادئ العلوم العربيّة والشّرعيّة بجامع “سيدي محمّد النجار” من العالم الجليل الشّيخ “حمدان الونيسي.سافر بن باديس عام 1908 إلى تونس ليستكمل تعليمه الثانوي والعالي، وفي سنة 1910 م سُجل بجامع الزّيتونة، فتتلمذ على صفوة علماء الزّيتونة. نال عام 1911 م شهادة التّطويع (العَالِمِيَّة) وهو الطالب الجزائريّ الوحيد الذي تخرّج في تلك الدّورة ثّم بقي بتونس عاماً بعد تخرّجه يُدَرّس ويَدرس في ذلك المعهد.
- رحلته إلى الحجاز :
بعد عودته من تونس واصل مهمة التعليم في مسقط رأسه “قسنطينة”، فباشر إلقاء الدّروس من كتاب “الشّفا” للقاضي عياض في الجامع الكبير، لكنّه سرعان ما منع من الإدارة الفرنسيّة بسعي المفتى في ذلك العهد، بعدها عزم على أداء فريضة الحجّ عام 1913 م. ولما زار المدينة المنوّرة، تعرّف على الشّيخ “محمّد البشير الإبراهيميّ”. وبعد مرور الوقت وجد الشّيخ ابن باديس نفسه بين خيارين، إما الإقامة الدائمة بالمدينة، وإما العودة إلى الوطن، فقرر الرجوع إلى الوطن بقصد خدمته.
- نضاله الإصلاحي:
- في التربية والتّعليم:
أولى الشّيخ ابن باديس التربية والتّعليم اهتماماً بالغاً ضمن برنامج الحركة الإصلاحية التي قادها ووجهها، فبدأ نشاطه التّربوي والتّعليمي بالجامع الأخضر أوائل جمادى الأول 1332 ﻫ / 1914 م، ثم وسع نشاطه بإلقاء دروس في المساجد، وقام في أيام الراحة الأسبوعية وأيام الإجازة الصيفية بجولات لمختلف مناطق القطر.
وبعد بضع سنوات من التّعليم المسجدي رأى جماعة من الفضلاء المتصلين به تأسيس مكتب يكون أساساً للتّعليم الابتدائي العربي سنة 1926 م، انبثقت عنه سنة 1930 م مدرسة جمعيّة التربية والتّعليم الإسلامية. ودعا الجزائريّين إلى تأسيس فروع لها في أنحاء الجزائر.
حثّ ابن باديس على تعليم المرأة، وأولى تعليمها اهتماماً كبيراً، فألقى دروس وعظ خاصة للنساء بالجامع الأخضر، وخص البنات بدروس في مدرسة جمعيّة التربية والتّعليم، وأقر لهن مجانية التّعليم، وسعى لتمكينهن من مواصلة التّعليم الثانوي والعالي في المشرق العربي.
- الصحافة :
أسس الشّيخ ابن باديس جريدة “المنتقد” عام 1925 م، التي صادرتها الإدارة الاِستعماريّة، فخلفتها جريدة “الشّهاب” التي ظلت تصدر أسبوعيّاً طوال أربع سنوات ثم حولها إلى مجلّة شهرية منذ فبراير 1929 م. وحتى يضمن استمرارية نشاطه الصحفي، أسس “المطبعة الإسلامية الجزائرية” التي طبع فيها جرائده وجرائد جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين الأربعة التي أشرف عليها وهي : السّنّة المحمّديّة، والشّريعة المطهّرة، والصّراط السّويّ، والبصائر.
- إسهاماته السياسية
يُعد الجانب السّياسيّ في شخصيته من أبرز جوانب الاصلاح في منهجه، وقد ساهم بفكره ونضاله إلى التطرق إلى عدة قضايا مصيرية تفسرها من خلال البعض من مواقفه السياسية منها:
– دوره في إخماد نار الفتنة بين اليهود والمسلمين (فاجعة قسنطينة) صيف 1934 م.
– الدعوة إلى عقد مؤتمر إسلامي والمساهمة فيه شهر جوان 1936 م.
– دعوة النواب إلى مقاطعة المجالس النيابية في شهر أوت عام 1937 م.
– نداءه لمقاطعة الاحتفالات القرنية لاحتلال مدينة قسنطينة خريف 1937 م.
– مقاومة سياسة الاندماج والتجنيس.
– الوقوف في وجه المحاولات الهادفة إلى زعزعة الوحدة الوطنية.
– اهتمامه بقضايا العالم الإسلامي.
- ابن باديس وجمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين :
تأسست “جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين” يوم الثلاثاء 05 ماي 1931 م في اجتماع بنادي الترقّي ومن شتى الاتجاهات الدينية والمذهبية. وانتخب الشّيخ ابن باديس رئيساً لها والبشير الإبراهيميّ نائبًا له.
- وفاته وآثاره العلمية :
توفّي الشّيخ ابن باديس مساء يوم الثلاثاء 9 ربيع الأول سنة 1359 ﻫ الموافق 16 أفريل 1940 م، بمسقط رأسه مدينة “قسنطينة” متأثرًا بمرض السوطان في الأمعاء، وقد شيّعت جنازته عصر اليوم التالي لوفاته، وحمل جثمانه إلى مثواه الأخير طلبة الجامع الأخضر دون غيرهم وسط جموع غفيرة زادة عن مائة ألف نسمة، جاءوا من كافة أنحاء القطر الجزائري.
تأثر لوفاته جميع أفراد الشعب الجزائري، وقال الشّيخ العربي التبسي في تأبينه : “لقد كان الشّيخ عبد الحميد بن باديس في جهاده وأعماله، هو الجزائر كلها فلتجتهد الجزائر بعد وفاته أن تكون هي الشّيخ عبد الحميد بن باديس”. ومن بين من خلد هذا المصاب الجلل في إبانه شاعر الجزائر الكبير محمد العيد آل خليفة بقصيدة مما جاء فيها :
يـا قــبــــر طبت وطـاب فـيـك عبيـــر هـل أنـت بالضيف العـزيز خبير ؟
هـذا (ابن باديس) الإمـام المرتضى (عبد الحميد) إلى حـمـاك يصـير
العـالم الفذ الذي لعلومـه صِيتٌ بأطـراف البـلاد كبير
بعث الجزائر بعد طـول سباتها فالشعب فيها بالحيـاة يصـير
إلى أن يقول :
نم هـادئا فالشعب بعـدك راشـد يختـط نهجـك في الهـدى ويسير
لا تخش ضيعة ما تركت لنا سـدى فالـوارثـون لما تركت كثير
لقد ترك الشّيخ ابن باديس آثارا كثيرا كانت حصيلة نضاله، ولله الحمد أن سخر له أحباباً جمعوا تلك الأعمال ونشروها هي:
1- رسالة جواب عن سوء مقال (نشرها سنة 1922 م).
2- العواصم من القواصم (كتاب لابن العربي وقف على طبعه وتصحيحه في جزأين – الجزء الأول 1345 هـ/1926 م – الجزء الثاني 1946 هـ/1927 م).
3- تفسير ابن باديس (طبعه أحمد بوشمال سنة 1948 م، ثم طبعته وزارة الشؤون الدينية بالجزائر سنة 1982 م في كتاب عنوانه “مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير”).
4- مجالس التذكير من حديث البشير النذير (طبعته وزارة الشؤون الدينية بالجزائر سنة 1983 م).
5- العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية (طبعه تلميذه محمّد الصالح رمضان سنة 1963 م، ثم أعيد طبعه مرتين عامي 1966 م و1990 م، كما طبعه الشّيخ محمّد الحسن فضلاء سنة 1984 م).
6- رجال السلف ونساؤه (طبعه محمّد الصالح رمضان وتوفيق محمّد شاهين سنة 1966 م)
7- مبادئ الأصول (حققه الدكتور عمار طالبي ونشره سنة 1988 م، كما درسه وحققه الشّيخ أبي عبد المعز محمّد علي فركوس، وقدمه للطبع والنشر سنة 2001 م بعنوان “الفتح المأمول في شرح مبادئ الأصول”).
أما باقي الآثار الأخرى فقد نشرت كلها في شكل مقالات ومحاضرات وخطب وقصائد شعرية في صحف “النّجاح” و”المنتقد” والشهاب” والسنة المحمّدية” والشّريعة المطهّرة” والصراط السّويّ” و”البصائر”.